فصل: فَصْلٌ: بَيَانُ مَا يُسْتَحَبُّ فِي التَّكْبِيرِ وَمَا يُكْرَهُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: بَيَانُ مَا يُسْتَحَبُّ فِي التَّكْبِيرِ وَمَا يُكْرَهُ:

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُسْتَحَبُّ فِيهَا وَمَا يُكْرَهُ، فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي أَنْ يَخْشَعَ فِي صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَدَحَ الْخَاشِعِينَ فِي الصَّلَاةِ، وَيَكُونُ مُنْتَهَى بَصَرِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُصَلِّي خَاشِعًا شَاخِصًا بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ فَلَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} رَمَى بِبَصَرِهِ نَحْوَ مَسْجِدِهِ» أَيْ مَوْضِعِ سُجُودِهِ؛ وَلِأَنَّ هَذَا أَقْرَبُ إلَى التَّعْظِيمِ ثُمَّ أَطْلَقَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَهُ وَيَكُونُ مُنْتَهَى بَصَرِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَفَسَّرَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَقَالَ: يَرْمِي بِبَصَرِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ وَفِي حَالَةِ الرُّكُوعِ إلَى رُءُوسِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ وَفِي حَالَةِ السُّجُودِ إلَى أَرْنَبَةِ أَنْفِهِ وَفِي حَالَةِ الْقَعْدَةِ إلَى حِجْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ تَعْظِيمٌ وَخُشُوعٌ.
وَرُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حِينَ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ بِالصَّلَاةِ أَمَرَهُمْ كَذَلِكَ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ عِنْدَ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْمَنِ، وَعِنْدَ التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ وَلَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَلَا يُطَأْطِئُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ سُنَّةَ الْعَيْنِ وَهِيَ النَّظَرُ إلَى الْمَسْجِدِ فَيُخِلُّ بِمَعْنَى الْخُشُوعِ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «نَهَى أَنْ يُدَبِّحَ الرَّجُلُ تَدْبِيحَ الْحِمَارِ» أَيْ يُطَأْطِئَ رَأْسَهُ وَلَا يَتَشَاغَلَ بِشَيْءٍ غَيْرِ صَلَاتِهِ مِنْ عَبَثٍ بِثِيَابِهِ أَوْ بِلِحْيَتِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْخُشُوعِ؛ لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَعْبَثُ بِلِحْيَتِهِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: أَمَّا هَذَا لَوْ خَشَعَ قَلْبُهُ لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ».
وَلَا يُفَرْقِعُ أَصَابِعَهُ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «قَالَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إنِّي أُحِبُّ لَك مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعَكَ وَأَنْتَ تُصَلِّي»؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْخُشُوعِ، وَلَا يُشَبِّكُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ سُنَّةِ الْوَضْعِ، وَلَا يَجْعَلُ يَدَيْهِ عَلَى خَاصِرَتِهِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «نَهَى عَنْ الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ» وَقِيلَ: إنَّهُ اسْتِرَاحَةُ أَهْلِ النَّارِ، وَقِيلَ: إنَّ الشَّيْطَانَ لَمَّا أُهْبِطَ أُهْبِطَ مُخْتَصِرًا وَالتَّشَبُّهُ بِالْكَفَرَةِ وَبِإِبْلِيسَ مَكْرُوهٌ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَفِي الصَّلَاةِ أَوْلَى، وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ عَمَلُ الْيَهُودِ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ سُنَّةِ الْيَدِ وَهِيَ الْوَضْعُ.
وَلَا يُقَلِّبُ الْحَصَى إلَّا أَنْ يُسَوِّيَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً لِسُجُودِهِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ: «سَأَلْتُ خَلِيلِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى سَأَلْتُهُ عَنْ تَسْوِيَةِ الْحَصَى فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ مَرَّةً أَوْ ذَرْ».
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَأَنْ يُمْسِكْ أَحَدُكُمْ عَنْ الْحَصَى خَيْرٌ لَهُ مِنْ مِائَةِ نَاقَةٍ سُودِ الْحَدَقَةِ» إلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ مَرَّةً وَاحِدَةً إذَا كَانَ الْحَصَى لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ السُّجُودِ لِحَاجَتِهِ إلَى السُّجُودِ الْمَسْنُونِ وَهُوَ وَضْعُ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَتَرْكُهُ أَوْلَى؛ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ.
وَلَا يَلْتَفِتُ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ عَلِمَ الْمُصَلِّي مَنْ يُنَاجِي مَا الْتَفَتَ»، وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: «تِلْكَ خِلْسَةٌ يَخْتَلِسُهَا الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ أَحَدِكُمْ» وَحَدُّ الِالْتِفَاتِ الْمَكْرُوهِ أَنْ يُحَوِّلَ وَجْهَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ.
وَأَمَّا النَّظَرُ بِمُؤَخَّرِ الْعَيْنِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً مِنْ غَيْرِ تَحْوِيلِ الْوَجْهِ فَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ؛ لِمَا رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُلَاحِظُ أَصْحَابَهُ بِمُؤْخِرِ عَيْنَيْهِ» وَلِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ.
وَلَا يُقْعِي لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ: «نَهَانِي خَلِيلِي عَنْ ثَلَاثٍ، أَنْ أَنْقُرَ نَقْرَ الدِّيكِ، وَأَنْ أَقْعَى إقْعَاءَ الْكَلْبِ، وَأَنْ أَفْتَرِشَ افْتِرَاشَ الثَّعْلَبِ» وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الْإِقْعَاءِ قَالَ الْكَرْخِيُّ: هُوَ نَصْبُ الْقَدَمَيْنِ وَالْجُلُوسُ عَلَى الْعَقِبَيْنِ وَهُوَ عَقِبُ الشَّيْطَانِ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: هُوَ الْجُلُوسُ عَلَى الْأَلْيَتَيْنِ وَنَصْبُ الرُّكْبَتَيْنِ وَوَضْعُ الْفَخِذَيْنِ عَلَى الْبَطْنِ وَهَذَا أَشْبَهُ بِإِقْعَاءِ الْكَلْبِ؛ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَرْكُ الْجِلْسَةِ الْمَسْنُونَةِ فَكَانَ مَكْرُوهًا، وَلَا يَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْهِ؛ لِمَا رَوَيْنَا، وَلَا يَتَرَبَّعُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَأَى ابْنَهُ يَتَرَبَّعُ فِي صَلَاتِهِ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: رَأَيْتُكَ تَفْعَلُهُ يَا أَبَتِ، فَقَالَ: إنَّ رِجْلَيَّ لَا تَحْمِلَانِي وَلِأَنَّ الْجُلُوسَ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ أَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ فَكَانَ أَوْلَى، وَلَا يُكْرَهُ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ؛ لِأَنَّ مَوَاضِعَ الضَّرُورَةِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ.
وَلَا يَتَمَطَّى وَلَا يَتَثَاءَبُ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِرَاحَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَتُكْرَهُ كَالِاتِّكَاءِ عَلَى شَيْءٍ وَلِأَنَّهُ مُخِلٌّ بِمَعْنَى الْخُشُوعِ فَإِذَا عَرَضَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَظَمَ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ التَّثَاؤُبُ جَعَلَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ»، وَيُكْرَهُ أَنْ يُغَطِّيَ فَاهُ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ فِي التَّغْطِيَةِ مَنْعًا مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ غَطَّى بِيَدِهِ فَقَدْ تَرَكَ سُنَّةَ الْيَدِ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ فِي الصَّلَاةِ» وَلَوْ غَطَّاهُ بِثَوْبٍ فَقَدْ تَشَبَّهَ بِالْمَجُوسِ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَلَثَّمُونَ فِي عِبَادَتِهِمْ النَّارَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ التَّلَثُّمِ فِي الصَّلَاةِ» إلَّا إذَا كَانَتْ التَّغْطِيَةُ لِدَفْعِ التَّثَاؤُبِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِمَا مَرَّ.
وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُفَّ ثَوْبَهُ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ، وَأَنْ لَا أَكُفَّ ثَوْبًا وَلَا أَكْفِتَ شَعْرًا»؛ وَلِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ سُنَّةِ وَضْعِ الْيَدِ.
وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَاقِصًا شَعْرَهُ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ «أَنَّهُ رَأَى الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُصَلِّي عَاقِصًا شَعْرَهُ فَحَلَّ الْعُقْدَةَ فَنَظَرَ إلَيْهِ الْحَسَنُ مُغْضَبًا فَقَالَ: يَا ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ أَقْبِلْ عَلَى صَلَاتِكَ وَلَا تَغْضَبْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ ذَاكَ كِفْلُ الشَّيْطَانِ»، وَفِي رِوَايَةٍ مَقْعَدُ الشَّيْطَانِ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ، وَالْعَقْصُ أَنْ يَشُدَّ الشَّعْرَ ضَفِيرَةً حَوْلَ رَأْسِهِ كَمَا تَفْعَلُهُ النِّسَاءُ أَوْ يَجْمَعَ شَعْرَهُ فَيَعْقِدَهُ فِي مُؤَخَّرِ رَأْسِهِ.
وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مُعْتَجِرًا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «نَهَى عَنْ الِاعْتِجَارِ»، وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الِاعْتِجَارِ قِيلَ: هُوَ أَنْ يَشُدَّ حَوَالَيْ رَأْسِهِ بِالْمِنْدِيلِ وَيَتْرُكَهَا مِنْهُ وَهُوَ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَلُفَّ شَعْرَهُ عَلَى رَأْسِهِ بِمِنْدِيلٍ فَيَصِيرُ كَالْعَاقِصِ شَعْرَهُ وَالْعَقْصُ مَكْرُوهٌ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَكُونُ الِاعْتِجَارُ إلَّا مَعَ تَنَقُّبٍ وَهُوَ أَنْ يَلُفَّ بَعْضَ الْعِمَامَةِ عَلَى رَأْسِهِ وَيَجْعَلَ طَرَفًا مِنْهَا عَلَى وَجْهِهِ كَمُعْتَجَرِ النِّسَاءِ إمَّا لِأَجْلِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ أَوْ لِلتَّكَبُّرِ.
وَيُكْرَهُ أَنْ يُغْمِضَ عَيْنَيْهِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَغْمِيضِ الْعَيْنِ فِي الصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَرْمِيَ بِبَصَرِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَفِي التَّغْمِيضِ تَرْكُ هَذِهِ السُّنَّةِ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ عُضْوٍ وَطَرَفٍ ذُو حَظٍّ مِنْ هَذِهِ الْعِبَادَةِ فَكَذَا الْعَيْنُ، وَلَا يُرَوِّحُ فِي الصَّلَاةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ سُنَّةِ وَضْعِ الْيَدِ وِتْرِكِ الْخُشُوعِ.
وَيُكْرَهُ أَنْ يَبْزُقَ عَلَى حِيطَانِ الْمَسْجِدِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى الْحَصَى أَوْ يَتَمَخَّطَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ الْمَسْجِدَ لَيَنْزَوِي مِنْ النُّخَامَةِ كَمَا تَنْزَوِي الْجِلْدَةُ فِي النَّارِ» وَلِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِتَنْفِيرِ النَّاسِ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ؛ وَلِأَنَّ النُّخَامَةَ وَالْمُخَاطَ مِمَّا يُسْتَقْذَرُ طَبْعًا وَإِذَا عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَهُ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ وَإِنْ أَلْقَاهُ فِي الْمَسْجِدِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَهُ وَلَوْ دَفَنَهُ فِي الْمَسْجِدِ تَحْتَ الْحَصِيرِ يُرَخَّصُ لَهُ ذَلِكَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَفْعَلَ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رَخَّصَ فِي دَفْنِ النُّخَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ»؛ وَلِأَنَّهُ طَاهِرٌ فِي نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ طَبْعًا فَإِذَا دُفِنَ لَا يُسْتَقْذَرُ وَلَا يُؤَدِّي إلَى التَّنْفِيرِ وَالرَّفْعُ أَوْلَى تَنْزِيهًا لِلْمَسْجِدِ عَمَّا يَنْزَوِي مِنْهُ.
وَيُكْرَهُ عَدُّ الْآيِ وَالتَّسْبِيحِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كُرِهَ فِي الْفَرْضِ وَرُخِّصَ فِي التَّطَوُّعِ، وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْعَدَّ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لِمُرَاعَاةِ السُّنَّةِ وَفِي قَدْرِ الْقِرَاءَةِ وَعَدَدِ التَّسْبِيحِ خُصُوصًا فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ الَّتِي تَوَارَثَتْهَا الْأُمَّةُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِي الْعَدِّ بِالْيَدِ تَرْكًا لِسُنَّةِ الْيَدِ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ فَالْقَلِيلُ مِنْهُ إنْ لَمْ يُفْسِدْ الصَّلَاةَ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يُوجِبَ الْكَرَاهَةَ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْعَدِّ بِالْيَدِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَعُدَّ خَارِجَ الصَّلَاةِ مِقْدَارَ مَا يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ وَيُعَيِّنُ ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ الْمُعَيَّنِ أَوْ يَعُدُّ بِقَلْبِهِ.
وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ عَلَى دُكَّانٍ وَالْقَوْمُ أَسْفَلَ مِنْهُ، وَالْجُمْلَةُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ الْإِمَامُ عَلَى الدُّكَّانِ وَالْقَوْمُ أَسْفَلَ مِنْهُ أَوْ كَانَ الْقَوْمُ عَلَى الدُّكَّانِ وَالْإِمَامُ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ الْإِمَامُ وَحْدَهُ أَوْ كَانَ بَعْضُ الْقَوْمِ مَعَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ أَوْ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ، أَمَّا فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ وَحْدَهُ عَلَى الدُّكَّانِ وَالْقَوْمُ أَسْفَلَ مِنْهُ يُكْرَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَكَانُ قَدْرَ قَامَةِ الرَّجُلِ أَوْ دُونَ ذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْقَامَةَ؛ لِأَنَّ فِي الْأَرْضِ هُبُوطًا وَصُعُودًا وَقَلِيلُ الِارْتِفَاعِ عَفْوٌ وَالْكَثِيرُ لَيْسَ بِعَفْوٍ فَجَعَلْنَا الْحَدَّ الْفَاصِلَ مَا يُجَاوِزُ الْقَامَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا كَانَ دُونَ الْقَامَةِ لَا يُكْرَهُ، وَالصَّحِيحُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَامَ بِالْمَدَائِنِ لِيُصْلِيَ بِالنَّاسِ عَلَى دُكَّانٍ فَجَذَبَهُ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ ثُمَّ قَالَ: مَا الَّذِي أَصَابَكَ؟ أَطَالَ الْعَهْدُ أَمْ نَسِيتَ؟ أَمَا سَمِعْت رَسُولُ وَلَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَقُومُ الْإِمَامُ عَلَى مَكَان أَنْشَزَ مِمَّا عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ؟» وَفِي رِوَايَةٍ أَمَا عَلِمْت أَنَّ أَصْحَابَكَ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ تَذَكَّرْتُ حِينَ جَذَبْتَنِي، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي يُمْكِنُ الْجَذْبُ عَنْهُ مَا دُونَ الْقَامَةِ، وَكَذَا الدُّكَّانُ الْمَذْكُورُ يَقَعُ عَلَى الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ مَا دُونَ الْقَامَةِ؛ وَلِأَنَّ كَثِيرَ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ يَمْنَعُ الصِّحَّةَ فَقَلِيلُهَا يُورِثُ الْكَرَاهَةَ؛ وَلِأَنَّ هَذَا صَنِيعُ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ أَسْفَلَ مِنْ الْقَوْمِ يُكْرَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْكَرَاهَةِ التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي صَنِيعِهِمْ وَلَا تَشَبُّهَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ مَكَانَ إمَامِهِمْ لَا يَكُونُ أَسْفَلَ مِنْ مَكَانِ الْقَوْمِ وَجَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ؛ لِأَنَّ كَرَاهَةَ كَوْنِ الْمَكَانِ أَرْفَعَ كَانَ مَعْلُولًا بِعِلَّتَيْنِ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَوُجُودِ بَعْضِ الْمُفْسِدِ وَهُوَ اخْتِلَافُ الْمَكَانِ وَهَاهُنَا وُجِدَتْ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ وَهِيَ وُجُودُ بَعْضِ الْمُخَالَفَةِ هَذَا إذَا كَانَ الْإِمَامُ وَحْدَهُ فَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْقَوْمِ مَعَهُ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ فَمَنْ اعْتَبَرَ مَعْنَى التَّشَبُّهِ قَالَ: لَا يُكْرَهُ وَهُوَ قِيَاسُ رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ؛ لِزَوَالِ مَعْنَى التَّشَبُّهِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَا يُشَارِكُونَ الْإِمَامَ فِي الْمَكَانِ، وَمَنْ اعْتَبَرَ وُجُودَ بَعْضِ الْمُفْسِدِ قَالَ: يُكْرَهُ وَهُوَ قِيَاسُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِوُجُودِ بَعْضِ الْمُخَالَفَةِ.
وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْعُذْرِ كَمَا فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ لَا يُكْرَهُ كَيْفَمَا كَانَ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْمُرَاعَاةِ.
وَيُكْرَهُ لِلْمَارِّ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ عَلِمَ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَا عَلَيْهِ مِنْ الْوِزْرِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ»، وَلَمْ يُوَقِّتُ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ قَدْرَ الْمُرُورِ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْرُ مَوْضِعِ السُّجُودِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مِقْدَارُ الصَّفَّيْنِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْرُ مَا يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى الْمَارِّ لَوْ صَلَّى بِخُشُوعٍ، وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَيَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي أَنْ يَدْرَأَ الْمَارَّ أَيْ يَدْفَعَهُ حَتَّى لَا يَمُرَّ حَتَّى لَا يَشْغَلَهُ عَنْ صَلَاتِهِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ مُرُورُ شَيْءٍ فَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ».
وَلَوْ مَرَّ لَا تُقْطَعُ الصَّلَاةُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَارُّ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً؛ لِمَا نَذْكُرُ فِي مَوْضِعِهِ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُدْفَعَ بِالتَّسْبِيحِ أَوْ بِالْإِشَارَةِ أَوْ الْأَخْذِ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ مِنْ غَيْرِ مَشْيٍ وَمُعَالَجَةٍ شَدِيدَةٍ حَتَّى لَا تَفْسُدَ صَلَاتُهُ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ: إنْ لَمْ يَقِفْ بِإِشَارَتِهِ جَازَ دَفْعُهُ بِالْقِتَالِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فَأَرَادَ ابْنُ مَرْوَانَ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَشَارَ إلَيْهِ فَلَمْ يَقِفْ فَلَمَّا حَاذَاهُ ضَرَبَهُ فِي صَدْرِهِ ضَرْبَةً أَقْعَدَهُ عَلَى اسْتِهِ فَجَاءَ إلَى أَبِيهِ يَشْكُو أَبَا سَعِيدٍ فَقَالَ: لِمَ ضَرَبْتَ ابْنِي؟ فَقَالَ: مَا ضَرَبْتُ ابْنَكَ إنَّمَا ضَرَبْتُ شَيْطَانًا، فَقَالَ: لِمَ تُسَمِّي ابْنِي شَيْطَانًا، فَقَالَ: لِأَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَأَرَادَ مَارٌّ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ»، وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» يَعْنِي أَعْمَالَ الصَّلَاةِ، وَالْقِتَالُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ الِاشْتِغَالُ بِهِ، وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ كَانَ فِي وَقْتٍ كَانَ الْعَمَلُ فِي الصَّلَاة مُبَاحًا، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: إنَّ الدَّرْءَ رُخْصَةٌ وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَدْرَأَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ.
وَكَذَا رَوَى إمَامُ الْهُدَى الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُتْرَكَ الدَّرْءُ، وَالْأَمْرُ بِالدَّرْءِ فِي الْحَدِيثِ لِبَيَانِ الرُّخْصَةِ كَالْأَمْرِ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ كَالْأُسْطُوَانَةِ وَنَحْوِهَا، فَأَمَّا إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ فَلَا بَأْسَ بِالْمُرُورِ فِيمَا وَرَاءَ الْحَائِلِ وَالْمُسْتَحَبُّ لِمَنْ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ أَنْ يَنْصِبَ بَيْنَ يَدَيْهِ عُودًا أَوْ يَضَعَ شَيْئًا أَدْنَاهُ طُولُ ذِرَاعٍ كَيْ لَا يَحْتَاجَ إلَى الدَّرْءِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي الصَّحْرَاءِ فَلْيَتَّخِذْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةً».
وَرُوِيَ أَنَّ الْعَنَزَةَ كَانَتْ تُحْمَلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتُرْكَزَ فِي الصَّحْرَاءِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيُصَلِّي إلَيْهَا حَتَّى قَالَ: عَوْنُ بْنُ جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَطْحَاءِ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ فَأَخْرَجَ بِلَالٌ الْعَنَزَةَ وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى إلَيْهَا وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ مِنْ وَرَائِهَا» وَإِنَّمَا قُدِّرَ أَدْنَاهُ بِذِرَاعٍ طُولًا دُونَ اعْتِبَارِ الْعَرْضِ، وَقِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي غِلَظِ أُصْبُعٍ؛ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ يُجْزِئُ مِنْ السُّتْرَةِ السَّهْمُ؛ وَلِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ الْمَنْعُ مِنْ الْمُرُورِ، وَمَا دُونَ ذَلِكَ لَا يَبْدُو لِلنَّاظِرِ مِنْ بَعِيدٍ فَلَا يَمْتَنِعُ وَيَدْنُو مِنْ السُّتْرَةِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى إلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا»
فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً هَلْ يَخُطُّ بَيْنَ يَدَيْهِ خَطًّا؟ حَكَى أَبُو عِصْمَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَخُطُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنَّ الْخَطَّ وَتَرْكَهُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْدُو لِلنَّاظِرِ مِنْ بَعِيدٍ فَلَا يَمْتَنِعُ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ، وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ: يَخُطُّ بَيْنَ يَدَيْهِ خَطًّا إمَّا طُولًا شِبْهَ ظِلِّ السُّتْرَةِ أَوْ عَرْضًا شِبْهَ الْمِحْرَابِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي الصَّحْرَاءِ فَلْيَتَّخِذْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةً فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَخُطَّ بَيْنَ يَدَيْهِ خَطًّا» وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ غَرِيبٌ وَرَدَ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَلَا نَأْخُذُ بِهِ.
وَلَا بَأْسَ بِقَتْلِ الْعَقْرَبِ أَوْ الْحَيَّةِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يَشْغَلُ الْقَلْبَ وَذَلِكَ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِهِ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اُقْتُلُوا الْأَسْوَدَيْنِ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي الصَّلَاةِ وَهُمَا الْحَيَّةُ وَالْعَقْرَبُ» وَهَذَا تَرْخِيصٌ وَابَاحَةٌ وَإِنْ كَانَتْ صِيغَتُهُ صِيغَةَ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُمَا لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ عَالَجَ مُعَالَجَةً كَثِيرَةً فِي قَتْلِهِمَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عَلَى مَا نَذْكُرُ.
، وَيُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَسْبِقَ الْإِمَامَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا تُبَادِرُونِي بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنِّي قَدْ بَدُنْتُ» وَلَوْ سَبَقَهُ يَنْظُرُ إنْ لَمْ يُشَارِكْهُ الْإِمَامُ فِي الرُّكْنِ الَّذِي سَبَقَهُ أَصْلًا لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ حَتَّى إنَّهُ لَوْ لَمْ يُعِدْ الرُّكْنَ وَسَلَّمَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُشَارَكَةِ وَالْمُتَابَعَةِ وَلَمْ تُوجَدْ فِي الرُّكْنِ وَإِنْ شَارَكَهُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ الرُّكْنِ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ.
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّ الِابْتِدَاءَ وَقَعَ بَاطِلًا وَالْبَاقِي بِنَاءً عَلَيْهِ فَأَخَذَ حُكْمَهُ وَلَنَا أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْمُشَارَكَةُ رُكُوعٌ تَامٌّ فَيُكْتَفَى بِهِ، وَانْعِدَامُ الْمُشَارَكَةِ فِيمَا قَبْلَهُ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَبْلَ الْإِمَامِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ».
وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي غَيْرِ حَالِ الْقِيَامِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقَالَ: أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ فَإِنَّهُ قَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ».
وَيُكْرَهُ النَّفْخُ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِيهِ بِخِلَافِ التَّنَفُّسِ فَإِنَّ فِيهِ ضَرُورَةً، وَهَلْ تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِالنَّفْخِ؟ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسْمُوعًا لَا تَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ مَسْمُوعًا تَفْسُدُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَيَانِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ.
وَيُكْرَهُ لِمَنْ أَتَى الْإِمَامَ وَهُوَ رَاكِعٌ أَنْ يَرْكَعَ دُونَ الصَّفِّ وَإِنْ خَافَ الْفَوْتَ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ «أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَوَجَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّكُوعِ فَكَبَّرَ كَمَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَدَبَّ رَاكِعًا حَتَّى الْتَحَقَ بِالصُّفُوفِ فَلَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ»؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ إحْدَى الْكَرَاهَتَيْنِ إمَّا أَنْ يَتَّصِلَ بِالصُّفُوفِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْمَشْيِ فِي الصَّلَاةِ وَإِنَّهُ فِعْلٌ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ فِي الْأَصْلِ حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: إنْ مَشَى خُطْوَةً خُطْوَةً لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ مَشَى خُطْوَتَيْنِ خُطْوَتَيْنِ تَفْسُدُ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا تَفْسُدُ كَيْفَمَا كَانَ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ فِي حُكْمِ مَكَان وَاحِدٍ لَكِنْ لَا أَقَلَّ مِنْ الْكَرَاهَةِ، وَإِمَّا أَنْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي رَكَعَ فِيهِ فَيَكُونُ مُصَلِّيًا خَلْفَ الصُّفُوفِ وَحْدَهُ وَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا صَلَاةَ لِمُنْتَبِذٍ خَلْفَ الصُّفُوفِ» وَأَدْنَى أَحْوَالِ النَّفْيِ هُوَ نَفْيُ الْكَمَالِ، ثُمَّ الصَّلَاةُ مُنْفَرِدًا خَلْفَ الصَّفِّ إنَّمَا تُكْرَهُ إذَا وَجَدَ فُرْجَةً فِي الصَّفِّ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَجِدْ فَلَا تُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الْحَالَ حَالُ الْعُذْرِ وَإِنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ امْرَأَةً يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَقُومَ خَلْفَ الصَّفِّ؟ لِأَنَّ مُحَاذَاتَهَا الرَّجُلَ مُفْسِدَةٌ صَلَاةَ الرَّجُلِ فَوَجَبَ الِانْفِرَادُ لِلضَّرُورَةِ، وَيَنْبَغِي إذَا لَمْ يَجِدْ فُرْجَةً أَنْ يَنْتَظِرَ مَنْ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ لِيَصْطَفَّ مَعَهُ خَلْفَ الصَّفِّ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا وَخَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ جَذَبَ مِنْ الصَّفِّ إلَى نَفْسِهِ مَنْ يَعْرِفُ مِنْهُ عِلْمًا وَحُسْنَ الْخُلُقِ لِكَيْ لَا يَغْضَبَ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ يَقِفْ حِينَئِذٍ خَلْفَ الصَّفِّ بِحِذَاءِ الْإِمَامِ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَيُؤْمَرُ مَنْ أَدْرَكَ الْقَوْمَ رُكُوعًا أَنْ يَأْتِيَ وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ وَلَا يُعَجِّلَ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يُصَلِّ إلَى الصَّفِّ فَمَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ صَلَّى بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَمَا فَاتَهُ قَضَى، وَأَصْلُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَمْشُونَ وَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ، عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا».
وَيُكْرَهُ لِمُصَلِّي الْمَكْتُوبَةِ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى شَيْءٍ إلَّا مِنْ عُذْرٍ؛ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ يُخِلُّ بِالْقِيَامِ وَتَرْكُ الْقِيَامِ فِي الْفَرِيضَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ فَكَانَ الْإِخْلَالُ بِهِ مَكْرُوهًا إلَّا مِنْ عُذْرٍ.
وَلَوْ فَعَلَ جَازَتْ صَلَاتُهُ لِوُجُودِ أَصْلِ الْقِيَامِ وَهَلْ يُكْرَهُ ذَلِكَ لِمُصَلِّي التَّطَوُّعِ؟ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْأَصْلِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْقِيَامِ فِي التَّطَوُّعِ جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَالْإِخْلَالُ بِهِ أَوْلَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُكْرَهُ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رَأَى حَبْلًا مَمْدُودًا فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: لِفُلَانَةَ تُصَلِّي بِاللَّيْلِ فَإِذَا أَعْيَتْ اتَّكَأَتْ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتُصَلِّي فُلَانَةُ بِاللَّيْلِ فَإِذَا أَعْيَتْ فَلْتَنَمْ»؛ وَلِأَنَّ فِي الِاعْتِمَادِ بَعْضُ التَّنَعُّمِ وَالتَّحَبُّرِ وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ.
وَيُكْرَهُ السَّدْلُ فِي الصَّلَاةِ، وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهِ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ سَدْلَ الثَّوْبِ هُوَ أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ عَلَى كَتِفَيْهِ وَيُرْسِلَ أَطْرَافَهُ مِنْ جَوَانِبِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَرَاوِيلُ.
وَرُوِيَ عَنْ الْأَسْوَدِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُمَا قَالَا: السَّدْلُ يُكْرَهُ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُكْرَهُ السَّدْلُ عَلَى الْقَمِيصِ وَعَلَى الْإِزَارِ وَقَالَ: لِأَنَّهُ صُنْعُ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَإِنْ كَانَ السَّدْلُ بِدُونِ السَّرَاوِيلِ فَكَرَاهَتُهُ لِاحْتِمَالِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَإِنْ كَانَ مَعَ الْإِزَارِ فَكَرَاهَتُهُ لِأَجْلِ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِهِ كَيْفَمَا كَانَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ كَانَ مِنْ الْخُيَلَاءِ يُكْرَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَالصَّحِيحُ مَذْهَبُنَا؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «نَهَى عَنْ السَّدْلِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ».
وَيُكْرَهُ لُبْسَةُ الصَّمَّاءِ وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ هُوَ أَنْ يَجْمَعَ طَرَفَيْ ثَوْبِهِ وَيُخْرِجَهُمَا تَحْتَ إحْدَى يَدَيْهِ عَلَى إحْدَى كَتِفَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَرَاوِيلُ وَإِنَّمَا كُرِهَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ انْكِشَافُ الْعَوْرَةِ، وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فَصَلَ بَيْنَ الِاضْطِبَاعِ وَلُبْسَةِ الصَّمَّاءِ فَقَالَ: إنَّمَا تَكُونُ لُبْسَةُ الصَّمَّاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إزَارٌ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ إزَارٌ فَهُوَ اضْطِبَاعٌ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ طَرَفَيْ ثَوْبِهِ تَحْتَ إحْدَى ضَبْعَيْهِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ لُبْسُ أَهْلَ الْكِبْرِ، وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ لُبْسَةَ الصَّمَّاءِ أَنْ يَلُفَّ الثَّوْبَ عَلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ مِنْ الْعُنُقِ إلَى الرُّكْبَتَيْنِ وَأَنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ سُنَّةِ الْيَدِ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ أَوْ فِي قَمِيصٍ وَاحِدٍ، وَالْجُمْلَةُ فِيهِ أَنَّ اللُّبْسَ فِي الصَّلَاةِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: لُبْسٌ مُسْتَحَبٌّ، وَلُبْسٌ جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَلُبْسٌ مَكْرُوهٌ.
أَمَّا الْمُسْتَحَبُّ فَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ قَمِيصٍ وَإِزَارٍ وَرِدَاءٍ وَعِمَامَةٍ كَذَا ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ فِي غَرِيبِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبَيْنِ إزَارٍ وَرِدَاءٍ؛ لِأَنَّ بِهِ يَحْصُلُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَالزِّينَةُ جَمِيعًا.
وَأَمَّا اللُّبْسُ الْجَائِزُ بِلَا كَرَاهَةٍ فَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ أَوْ قَمِيصٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِهِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَأَصْلُ الزِّينَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ تَتِمَّ الزِّينَةُ، وَأَصْلُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سُئِلَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَقَالَ: أَوَ كُلُّكُمْ يَجِدُ ثَوْبَيْنِ؟» أَشَارَ إلَى الْجَوَازِ وَنَبَّهَ عَلَى الْحِكْمَةِ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَا يَجِدُ ثَوْبَيْنِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الثَّوْبُ صَفِيقًا لَا يَصِفُ مَا تَحْتَهُ فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا يَصِفُ مَا تَحْتَهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ عَوْرَتَهُ مَكْشُوفَةٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْكَاسِيَاتِ الْعَارِيَّاتِ» ثُمَّ لَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْقَمِيصَ الْوَاحِدَ إذَا كَانَ مَحْلُولَ الْجَيْبِ وَالزِّرِّ هَلْ تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ ذَكَرَ ابْنُ شُجَاعٍ فِيمَنْ صَلَّى مَحْلُولَ الْإِزَارِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إزَارٌ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ نَظَرَ رَأَى عَوْرَةَ نَفْسِهِ مِنْ زِيقِهِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ نَظَرَ لَمْ يَرَ عَوْرَتَهُ جَازَتْ.
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ نَظَرَ إلَيْهِ غَيْرُهُ يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى عَوْرَتِهِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ نَظَرَ إلَيْهِ غَيْرُهُ لَا يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى عَوْرَتِهِ إلَّا بِتَكَلُّفٍ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ فَكَأَنَّهُ شَرَطَ سَتْرَ الْعَوْرَةِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ لَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَعَنْ دَاوُد الطَّائِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ الرَّجُلُ خَفِيفَ اللِّحْيَةِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى عَوْرَتِهِ إذَا نَظَرَ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ فَيَكُونُ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ غَيْرِهِ شَرْطُ الْجَوَازِ، وَإِنْ كَانَ كَثَّ اللِّحْيَةِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى عَوْرَتِهِ إلَّا بِتَكَلُّفٍ فَلَا يَكُونُ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ.
وَأَمَّا اللُّبْسُ الْمَكْرُوهُ فَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ وَسَرَاوِيلَ وَاحِدٍ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» وَلِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ إنْ حَصَلَ فَلَمْ تَحْصُلْ الزِّينَةُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}.
وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَرْسَلْتُكَ فِي حَاجَةٍ أَكُنْتَ مُنْطَلِقًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لَهُ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ فِعْلُ أَهْلِ الْجَفَاءِ وَفِي ثَوْبٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ أَبْعَدُ مِنْ الْجَفَاءِ وَفِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ مِنْ أَخْلَاقِ الْكِرَامِ.
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ فَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَالْمُسْتَحَبُّ لَهَا ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا دِرْعٌ وَإِزَارٌ وَخِمَارٌ فَإِنْ صَلَّتْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحَةً بِهِ يُجْزِئُهَا إذَا سَتَرَتْ بِهِ رَأْسَهَا وَسَائِرَ جَسَدِهَا سِوَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِمَّا سِوَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مِنْهَا مَكْشُوفًا فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا جَازَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَا يَجُوزُ وَسَنَذْكُرُ الْحَدَّ الْفَاصِلَ بَيْنَهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذَا فِي حَقِّ الْحُرَّةِ فَأَمَّا الْأَمَةُ إذَا صَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ رَأْسَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ.
وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَمْسَحَ جَبْهَتَهُ مِنْ التُّرَابِ بَعْدَ مَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ الصَّلَاةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُكْرَهُ فَلَأَنْ لَا يُكْرَهَ إدْخَالُ فِعْلٍ قَلِيلٍ أَوْلَى وَأَمَّا قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَرْكَانِ فَقَدْ ذُكِرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ فَقَالَ: قُلْتُ فَإِنْ مَسَحَ جَبْهَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ؟ قَالَ: لَا، أَكْرَهُهُ، مِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ فَهِمَ مِنْ هَذِهِ اللَّفْظَةِ نَفْيَ الْكَرَاهَةِ وَجَعَلَ كَلِمَةَ لَا دَاخِلَةً فِي قَوْلِهِ أَكْرَهُ، وَكَذَا ذُكِرَ فِي آثَارِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَوَجْهُهُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْسَحُ الْعَرَقَ عَنْ جَبِينِهِ فِي الصَّلَاةِ» وَإِنَّمَا كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُؤْذِيهِ فَكَذَا هَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَلِمَةُ لَا مَقْطُوعَةٌ عَنْ قَوْلِهِ أَكْرَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: هَلْ يَمْسَحُ؟ فَقَالَ: لَا نَفْيًا لَهُ، ثُمَّ ابْتَدَأَ الْكَلَامَ وَقَالَ: أَكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ رِوَايَةُ هِشَامٍ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ فَعَلَى هَذَا يُحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْحِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَرْكَانِ وَبَيْنَ الْمَسْحِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا قَبْلَ السَّلَامِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَسْحَ قَبْلَ الْفَرَاغِ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ إلَى أَنْ يَسْجُدَ ثَانِيًا فَيَلْتَزِقُ التُّرَابُ بِجَبْهَتِهِ ثَانِيًا وَالْمَسْحُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَرْكَانِ مُفِيدٌ وَلِأَنَّ هَذَا فِعْلٌ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَيُكْرَهُ تَحْصِيلُهُ فِي وَقْتٍ لَا يُبَاحُ فِيهِ الْخُرُوجُ عَنْ الصَّلَاةِ كَسَائِرِ الْأَفْعَالِ بِخِلَافِ الْمَسْحِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَرْكَانِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَرْبَعٌ مِنْ الْجَفَاءِ وَعَدَّ مِنْهَا مَسْحَ الْجَبْهَةِ فِي الصَّلَاةِ» وَمِنْهُمْ مَنْ وَفَّقَ فَقَالَ: جَوَابُ مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا كَانَ تَرَكَهُ لَا يُؤْذِيهِ وَجَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ عَلَى الْمَسْحِ بِالْيَدَيْنِ، وَجَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا كَانَ تَرْكُ الْمَسْحِ يُؤْذِيهِ وَيُشْغِلُ قَلْبَهُ عَنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ وَمُحَمَّدٌ يُسَاعِدُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلِهَذَا «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ الْعَرَقَ عَنْ جَبِينِهِ»؛ لِأَنَّ التَّرْكَ كَانَ يُؤْذِيهِ وَيُشْغِلُ قَلْبَهُ وَقَدْ بَيَّنَّا مَا يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ وَمَا يُكْرَه لَهُ فِي فَصْلِ الْإِمَامَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.